فصل: التصريف البياني في قصص القرآن:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المعجزة الكبرى القرآن



.التصريف البياني في قصص القرآن:

ذكر الله تعالى الحقائق الإسلامية في القصص، فلم يكن عبرة فقط، بل كان بيانًا لحقائق الإسلام، فنجد فيه بيانًا لعقيدة التوحيد، والبرهان عليها جاء في سياق القصص عن النبيين السابقين، فقد رأيت في قصص سيدنا إبراهيم عليه السلام كيف كانت الدعوة إلى التوحيد، وكيف أبطل عبادة الوثان بأنها لا تضر ولا تنفع، وأنه جعلها جذاذًا إلا كبيرًا لهم، وأنهم أرادوا عقوبته بالحرق بالنار، فجعلها الله تعالى بردًا وسلامًا على إبراهيم.
واقرأ بعض القصص عن سيدنا نوح الأب الثاني للبشر، ترى الأدلة على التوحيد بأن نجد في بعضها أدلة التوحيد تساق للضالين، ويوجه أنظارهم إلى الكون وما فيه فقد قال تعالى:
{قَالَ يَا قَوْم إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ، أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ، يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذَا جَاءَ لَا يُؤَخَّرُ لَوْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ، قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا، فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا، وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا، ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا، ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا، فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا، يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا، وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا، مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا، وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا، أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا، وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا، وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا، ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجًا، وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِسَاطًا، لِتَسْلُكُوا مِنْهَا سُبُلًا فِجَاجًا} [نوح: 2: 20].
ألم تر في هذه النصوص السامية تسلية واضحة للنبي صلى الله عليه وسلم؛ إذ فيها بيان ما لقيه نوح، وكيف كانت الأدلة القاطعة لا تزيدهم إلا نفورًا من الحق وفرارًا من أتباعه، وإصرارًا على الباطل، وفي كل ذلك عزاء للنبي صلى الله عليه وسلم؛ لئلَّا تذهب نفسه حسرات على كفر الكافرين وجحودهم بعد الأدلة القاطعة.
ومع هذا العزاء الروحي، والعبرة التي تريح الدعاة إلى الحق، نجد في السياق البرهنة على التوحيد، وأن الله تعالى وحده هو الخالق، وأنه بالتالي المستحق للعبادة وحده، فلا معبود سواه.
وسوق الأدلة على التوحيد في سياق قصة يجعله يسري إلى النفس من غير مقاومة، وتكراره يجعله يخط في النفس خطوطًا، وتتعمق الخطوط فيكون الإيمان.
وإنك لترى الدعوة إلى التوحيد واضحة في قصة يوسف عليه السلام، فهو في السجن يدعو إلى التوحيد وعبادة الله وحده، ويجعل سلواه وهو في السجن الدعوة إلى الوحدانية، وسوق الأدلة، فالله تعالى يحكي عنه أنه يقول لصاحبيه في السجن: {قَالَ لَا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلَّا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُمَا ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ، وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ، يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ، مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} [يوسف: 37 - 40].
انظر إلى الاستدلال القيم على أن الواحد الأحد خير من أرباب متفرقين، يتيه العقل فيهم، وأنهم لا حقائق لهم تتعلق بالألوهية، ثم يذكر ذلك عقب أن بين تأويل ما عجز عنه المئولون من رؤى، وقال: أنه قد علمه ربه.
ثم انظر إلى هذا القصص، وذكر التوحيد يجيء في أثناء السجن بسبب فرية نسائية افترينها عليه، ويجيء في وسط قصة نسوة المدينة أنه يكون طريفًا، فيكون له تأثيرًا أقوى وأشد.
84 - وليس القصص القرآني فيه إثبات أنَّ الله وحده هو المستحق للعبادة، وبطلان عبادة الأوثان التي هي أسماء سمَّوْها هم وآباؤهم، ما أنزل الله تعالى بها من سلطان، بل فيها إثبات الوحدانية أمام الذين يدعون ألوهية المسيح عليه السلام.
واقرأ قصة عيسى عليه السلام، فإن فيها الدليل على أنه ليس إلّا عبدًا لله تعالى، ولقد قال سبحانه وتعالى - في ذلك: {يَا أَهْل الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا، لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعًا} [النساء: 171، 172].
ونرى من هذا أن ذكر قصة عيسى أو ذكر جزء منها اختص ببيان وحدانية الله وإثبات بطلان أنَّ الله تعالى ثالث ثلاثة، وساق الدليل، وهو أنَّ الله تعالى خالق كل شيء، وله ما في السماوات والأرض، وصلة كل مخلوق كمثيله وإن اختلف طريق غيره، فصلة المسيح عليه السلام بالله من حيث الخلق والتكوين كصلته بأي مخلوق سواه، ولا يؤثر في هذه الصلة التكوينية أنه عبد ممتاز، وأنه رسول من رب العالمين، وإن كانت طريقة تكوينه أنه وُجِدَ من غير أب، فإن ذلك لا يجعله إلهًا أو ابن إله، كما قال تعالى في مقام آخر فيه إشارة إلى قصة عيسى؛ إذ قال الله تعالى: {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [آل عمران: 59].
واقرأ قصة أخرى لسيدنا عيسى عليه السلام، فقد قال الله تعالى: {وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ فَعَمُوا وَصَمُّوا ثُمَّ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ، لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ، لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ، أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ، مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآيَاتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ، قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَاللَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [المائدة: 71 - 76].
وهنا نجد الرد على من يجعلون المسيح إلهًا، لقد نفى الدعوى من أصلها؛ إذ بَيِّنَ أن المسيح الأمين لم يكن يدَّعيها، ولا يمكن أن يدَّعيها، فقد كان هو داعيًا إلى التوحيد، نافيًا للشرك بربوبية الله، وأنه كسائر الناس مخلوق، وأن الله ربه كما هو رب الناس جميعًا، وبين سبحانه بطلان دعوى الألوهية له ولأمه بأنهما محتاجان، ويأكلان الطعام كسائر الناس، والله تعالى غنيّ لا يحتاج، وليست له صفة الحوادث من طعام وغذاء، وبيِّن ثالثًا أنه لا يضر ولا ينفع إلَّا بإذن من الله تعالى خالقه من غير أب، وأنه من بعد ذلك عبد لا يستنكف ولا يستكبر.
ونرى أن نفي التثليث وإثبات بطلانه بالدليل جاء في ضمن قصة، فكان تصريفًا في الاستدلال؛ إذ إن سوق الدليل في ضمن قصة يجعله أكثر سريانًا في النفس، وانسيابًا في أطوائها.
الحث على المعاملة الطيبة في القصص:
85 - وإنه مما جاء في القصص أنَّ دعوة النبيين - عليهم الصلاة وأتم السلام جاءت للخير إلى حسن التعامل، وإصلاح الأرض، وأنَّ إصلاح الأعمال والنفوس ومنع الفساد في الأرض من أعظم المقاصد في الشرائع السماوية بعد عبادة الله تعالى والإيمان باليوم الآخر، وإذا كان ذلك في ضمن قصة استمكنت في النفس وتجهت إلى مداخلها من غير تعويق من ملاحاة جديدة، غير ما كان في عهد النبي الذي ذكرته القصة.
اقرأ قصة شعيب عليه السلام، فقد قال تعالى: {وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ، وَلَا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَهَا عِوَجًا وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلًا فَكَثَّرَكُمْ وَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ، وَإِنْ كَانَ طَائِفَةٌ مِنْكُمْ آمَنُوا بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ وَطَائِفَةٌ لَمْ يُؤْمِنُوا فَاصْبِرُوا حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنَا وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ} [الأعراف: 85 - 87].
أمَا ترى في هذا النص القرآني الذي تتضمَّنه قصة شعيب عليه السلام دعوة صريحة إلى ناحية علمية تتصل بالإصلاح الاجتماعي، ومنع الفساد في الأرض، والقيام بحق الأمانة في التعامل.
وفي موضع آخر من قصة شعيب نجده يكرر الدعوة، ثم يبين سبحانه كيف تقاوم دعوة الحق بالإصرار على الشر، وكيف كان الإصرار عليه، إلى أن يديل الله تعالى بما ينزل بالعصاة، ومما يؤدي إلى فساد أخلاق الأمة، لقد قال الله تعالى حكاية لقول شعيب: {يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ وَلَا تَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِنِّي أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ وَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ، وَيَا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ، بَقِيَّةُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ، قَالُوا يَا شُعَيْبُ أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ، قَالَ يَا قَوْم أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} [هود: 84 - 88].
ونرى من هذه المجاوبة أنهم يصرون على ما هم عليه، ويعدون إرشادهم إلى الحق في المعاملة تدخلًا في شئونهم المالية، وكأنهم يظنون أن شئون المال لا صلة له بالتدين، كما يجري على ألسنة بعض الذين لا يريدون بالدين الحق وقارًا، ويبين سيدنا شعيب عليه السلام أنه إذ ينهاهم هو أول من يتمسَّك بألَّا يفعل ما نهى عنه، إذ يقول: {وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ} وفي ذلك إشارة إلى أن من يدعو إلى أمر يهدمه إن خالفه في عمله، وأن الاستجابة إلى الداعي إلى الخير تقتضي أن يكون الداعي مستجيبًا له، وهكذا، فإنَّ الله تعالى يأخذ على بني إسرائيل، أنهم يأمرون الناس بالبرِّ وينسون أنفسهم، فقد قال تعالى: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ} [البقرة: 44].